ابنتي عمرها سنة وأربعة أشهر؛ عنيدة جدا خصوصا معي، لا تريد أن يقول لها أحد "لا" على أي شيء، وإن حدث تتعصب وترتمي على الأرض مع البكاء الشديد، لا أعرف كيف أتعامل معها، أحاول أن أحذرها من خطورة بعض الأفعال؛ كأن تصعد فوق ظهر الكرسي، فأقول لها: ستسقطين، ولكن دون جدوى، وإن أخذتها تبكي وإن تركتها تسقط وتبكي وربما تجرح، ماذا أفعل؟.
وكذلك هي قليلة الأكل جدا، فهي تشرب كوب لبن صباحا عند الاستيقاظ من النوم، ولا تأكل شيئا بعدها، حتى موعد الغداء فتتناول وجبة بسيطة، ولا تأكل شيئا آخر طوال اليوم، وترفض أكل أي نوع من الجبن أو البيض، وأغلب الأكل لا تحبه، حتى أنها تطلب الأكل أحيانا وحين تتذوقه ترفضه، هل تحتاج إلى فاتح للشهية أم ماذا؟.
لقد أخذت إجازة من عملي منذ ولادتها، وعدت إليه من شهرين فقط، وفي أثناء وجودي بالعمل أتركها مع أمي أحيانا، وأحيانا أخرى في حضانة، وسلوكها في الحضانة كما في البيت تماما؛ لا تأكل وعنيدة، ولا تريد أن يقول لها أحد "لا" على أي شيء تفعله.
عفوا على الإطالة، وشكرا لكم على مساعدتنا في تربية أبنائنا بالشكل السليم.
السؤال
مشكلات شقية, العناد والعصبية, فقدان الشهية, مفاتيح تربوية, أخطاء المربين الشائعة
(اجابة المتخصصين )
يقول د.رشاد لاشين من فريق معا نربي أبناءنا:
أختنا الفاضلة؛ الأم الجديدة؛ بارك الله فيك وفي ابنتك..
بيت القصيد في مشكلة ابنتك هو أن تفسحي لها مجال الحركة، وأن تقللي من القيود والضغوط والتحذيرات، فتكسبي الانسجام والتوافق مع ابنتك الغضة الناشئة، فالطفل ما إن ينعم الله تعالى عليه بالحركة حتى، يريد الانطلاق هنا وهناك في حركة دءوبة، يستكشف من خلالها العالم ويمرن عضلاته، ويستخدمها للغرض التي خلقها الله من أجله، وبالطبع تحرك الطفل الصغير الذي في عمر ابنتك يجلب كثيرا من الإزعاج والمشكلات.
وكذلك الأمهات الجديدات، أو اللاتي في حاجة إلى خبرة، لوحظ أن دورهن بعد انطلاق الطفل وتحركه في الأغلب يكون دورًا سلبيًّا:
فكثيرًا ما يلجأن إلى المنع والحد من الحركة وكثرة الزجر؛ (لا تذهب؛ لا تفعل؛ لا تتحرك)؛ بل قد يلجأن للعقاب أحيانا، وهذا ما ينم عن عدم علم بهذه المرحلة ولا بكيفية التعامل معها.
فالطفل في هذه المرحلة يمتلك القدرات الحركية، ولكنه لا يمتلك القدرات العقلية، ولا التمييز بين الصواب والخطأ، ولا إدراك الخطر، ولا تقدير العواقب، وهو أيضا في هذه المرحلة سريع النسيان بالنسبة للتحذيرات، باختصار هو يريد أن يتحرك وكفى، وليس في عقله ولا أجندته ما تفكرين فيه أنت الأم الناضجة الواعية المدركة.
فالمهارات الحركية أوجدها الله تعالى في الطفل لتمارس وتؤدي وتعمل عملها الطبيعي، لا لتكبت وتمنع وتحرم من العمل، وحرمان الطفل من ممارسة مهارته يؤدي أولا إلى الكبت، ثم يتبع هذا الكبت الانفجار والمقاومة والمشكلات العديدة، وكأن لسان حال الطفل يقول:
* إن لم تسمحوا لي بالحركة، فتلقوا "وعدكم مني" عنادًا وصراعًا وصراخًا ومشكلات.
* منعي من الحركة يشعرني بعدم القبول لديكم وأنتم كذلك لن تكونوا مقبولين لديَّ.
* أنتم هكذا تمنعونني حقي في الحركة، وتصنعون لي المشكلات بتقييد حريتي، وأنا كذلك سأصنع لكم المشكلات وأحيل حياتكم إلى جحيم.
دورنا هو أن نسمح للطفل بالانطلاق، وممارسة الحركة بحرية، في جو آمن بعيد عن الخطر، وأن نتوقع المشكلات، ونقبل بها، ونقلل من أثرها قدر المستطاع، فمن يريد طفلا بلا مشاكل عليه ألا يتعامل مع الأطفال.
- فإذا كان الطفل يحب القفز فلنوفر له قطعا إسفنجية لتمتص الصدمات وتحميه من الأذى.
- ومن واجبنا أن نوفر لعبا كثيرة ومتنوعة تدخل البهجة والسرور على نفس الطفل.
- ولا يليق بحق الطفل في هذه السن الإكثار من الزجر والنهي، بل توضيح الصواب والخطأ بهدوء وبلا عصبية مع القبول بتكرار الخطأ.
- وعلينا أيضا أن نخرج بالطفل خارج المنزل في أحد المتنزهات؛ لينطلق ويستجم ويمارس مهارته الحركية، فالطفل في هذه السن يحب الخروج من المنزل، ويسعد بذلك كثيرا، أما أن نمنعه من الخروج، ثم نقيد حريته داخل المنزل، فإن هذا يمثل ضغطا على أعصابه، وبالتالي ينفجر فينا بالعديد من المشكلات.
إن تربية الصوبات في الشقق الصغيرة الضيقة تنتج كثيرا من المشكلات، لذا يقول علماء التربية: إن الطبيعة هي المعهد الأول لتربية الطفل، لذا كان من حكمة العرب الساكنين في المدن أن يسترضعوا لأولادهم في البوادي، بعيدا عن المدن وكبتها وضيقها، فرسول الله سلم تربى في بادية بني سعد؛ لأن الطفل في حاجة إلى أن يرتع ويلعب وينطلق في جو مفتوح، ودورنا هو أن نعي حاجة الطفل إلى توسيع مجال الحركة والانطلاق، وأن نوجد البدائل المناسبة التي تلبي حاجاته. أما بالنسبة لمسألة ضعف الشهية والامتناع عن الطعام فإنني أضع بين يديك الحقائق التالية:
- هذه المشكلة تحدث غالبا في الطفل الأول، ومع الأم الجديدة؛ لأنها قليلة الخبرة في التعامل مع الطفل، ولديها لهفة في أن يزاد نمو طفلها، فتتسرع في أكله، وتحاول إرغامه، ظنا منها أنها ترتقي به، فتكون الكارثة برفض الطفل للطعام الذي يرغم عليه، وبدلا من أن يكون وقت الطعام هو وقت متعة وسعادة وتفاهم، يتحول إلى وقت شد وصراع وضغط ورفض واستمرار في الإرغام، يقابله استمرار في العناد والتعزز والتمنع.
وفي الوضع الطبيعي تقل شهية الطفل في بداية العام الثاني وحتى العام الخامس، وتكون زيادة النمو أقل بكثير من الزيادة في العام الأول، وهذا وضع طبيعي لا يدعو إلى الانزعاج، ومن الطبيعي في هذه السن أن يمر على الطفل ثلاثة أو أربعة أشهر دون أن يزيد وزنه جرامات قليلة، ولأن زيادة الوزن بطيئة، فإن الطفل يحتاج إلى طاقة أقل، ويبدو أقل شهية للطعام من المعتاد، وهذا ما يسمى بـ (فقدان الشهية الفسيولوجي).
وأحسن فاتح للشهية هو الجوع، فأكثر شيئين يسدان نفس الطفل عن الأكل هما (الإرغام) و(السكريات) التي تسبب الشبع الكاذب، وإن كان لا بد آكلا السكريات، فلتكن بعد الأكل؛ لأن تناولها قبل الأكل يؤدي إلى تضليل مركز الشهية في المخ أو ما يفضل تسميته مركز الشبع، الذي يتأثر بارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم ويعطي إحساسا كاذبا بالشبع.
وأفشل طريقة للأكل هي الإلحاح والإرغام والضغط على الطفل للأكل دون رغبته، فبعد فترة من كثرة الضغوط والشكاوى من الطفل للأهل والأحباب، يتكون في ذهنه أنه "الطفل الذي لا يأكل"، وكأن هذا جزء من شخصيته فيتمسك بها، ولا يحاول أن يقبل على الطعام، حتى لا يغير شخصيته، وكلما زاد الضغط، زاد تعزز الطفل، وزاد رفضه للطعام، وهناك أطفال يتقيئون الطعام الذي يتناولونه تحت الضغط.
وأقول لكل أم ترغم ابنها على الطعام: لقد جربت الإرغام مرارا وتكرارا، فهل وصلت إلى نتيجة؟! وهل حققت تقدما؟َ! بالتأكيد ستكون النتيجة بالفشل المتكرر، فلم الإصرار على الإرغام، ولم الاستمرار في الصراع غير المجدي، بل المضر.
أقول لك الحقيقة العلمية الصريحة أن فكرة فاتح الشهية فكرة غير علمية، ولا تقدم حلا، بل لها آثار جانبية كثيرة، وكثير من الأطباء يصفونها مجاراة لأهل الطفل ليس إلا؛ فلا تثقي بما يسمي بفاتح الشهية، ولا تلجئي إليه، وأفضل طريقة لتعليم الطفل الأكل هي أن نحضر فراشًا بلاستيكيًّا واسعا، ونقدم له الطعام على هيئة أصابع، أو كرات صغيرة يلتقطها بنفسه وبإرادته، ونسمح له بالممارسة والخطأ؛ فتارة يسكبه، وتارة يلوث به ملابسه، وتارة يضعه في فمه، هذه هي الطريقة الناجحة والفعالة في تدريب الطفل، أما الضوابط الزائدة عن الحد، والحرص الشديد على نظافة الطفل والمكان في أثناء إطعام الطفل في هذه السن، فإنها تؤدي إلى كراهية الطفل للطعام بسبب صرامة الإجراءات.
ومن الوسائل المساعدة على الخروج من أزمة رفض الطعام أن نقوم بوضع الطعام -بالطريقة المحببة للطفل- على منضدة في مجال حركة الطفل؛ بحيث حينما يضربه الجوع يكون الطعام في متناول يده، فيتناوله برغبته طواعية وبعيدا عن تسليط الضوء أو ضغط الإلحاح.
وفي النهاية أطمئنك أيتها الأم الفاضلة وأقول لك: الطفل الذي يمارس العناد، ويقاوم السلوك الضاغط عليه؛ هو طفل ذو شخصية ناجحة وقوية، ويرجي منه الخير الكثير، على عكس الطفل السلبي المستكين السهل ضعيف الشخصية، والعناد لا يكون رغبة في مخالفة الكبار بقدر ما يكون بناء للشخصية، ونزوعا نحو الاستقلال، والفطام النفسي، فهو ظاهرة إيجابية وليست سلبية؛ وعلينا بدلا من أن نكسر إرادة الطفل، ونهدم شخصيته أن نعزز شخصية الطفل، ونعطيه فرصة للتعبير عن نفسه، وساعتها ستقل أو تختفي أعراض العناد ومظاهره.
منقول لالافاده